فتح عينيه على الدنيا صائما عن عربدة أقرانه وطيشهم وجهل قومه وضلالهم، فافطر على يدي النبي صلى الله عليه وسلم، وشرب من معين التوحيد الصافي , وشرّفه الله سبحانه وتعالى بمعرفة الحق في صغره والثبات عليه في شبابه والموت في سبيل إعلائه في أواخر عمره , ودثره بمصاهرة أفضل الخلق وزوّجه سيدة نساء الجنة فاطمة رضي الله عنها ، وأكرمه ونعّمه بسيدي شباب أهل الجنة , الحسن والحسين رضي الله عنهما .
ولو تتبعنا الإشارات منذ صغره لقلنا أنها إرهاصات فارس شجاع ،وقائد حكيم وعالم رباني غرف من نبع النبوة منذ نعومة أظفاره , وزاهد ورع أرادته الدنيا فرغب عنها , واستمسك بالعروة الوثقى حتى أتاه اليقين ولم يبدل تبديلا.
ذاك الذي يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله , علي بن أبي طالب رضي الله عنه سيد فتيان بني هاشم بعد النبي صلى الله عليه وسلم وخليفته على المؤمنين .
لم ينشغل بما انشغل به اقرانه, بل توشح رداء الجد وصحب سيد الخلق محمد صلي الله عليه وسلم وشهد نمو وتوسع رسالته الخالدة منذ كانت سرا إلي أن أعلنتها أفواه وقلوب الأصحاب وحملتها سواعدهم وأكتافهم ودافعت عنها سيوفهم فكان منهم يدعم يقينه في الاستماتة و الدفاع عن الحق و دحر الباطل ،وكان لسان حاله ومقاله يصدحان بتصديق حديث النبي الأعظم « رجل يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله » بقي كذلك حتى أصبح خليفة على المسلمين بعد أن كان من الرعية في عهد من سبقوه من الأصحاب عليهم الرحمة والرضوان، ورغم ما تخلل خلافته من أحداث راعت قلوب المسلمين وكادت تضيع معها دولة الإسلام إلا أن الله سبحانه وتعالى جعل لهذه الأمة مخرجا خفّت معه الأضرار واستقرت به الأوضاع... فعصم الإمام علي رضي الله عنه من قرارات تضر بالمسلمين وكانت سياسته تدلّ على حنكته وحكمته و وروعه وزهده في الدنيا كلها وأدرانها وجيفها...
وعلى غرار الخلفاء السابقين كانت حياة نفوسهم وقلوبهم مرتبطة بالدعوة الى الحق وتوحيد كلمة المسلمين بإتباع كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم فلم يشتغل رضي الله عنه بما أفنى أهل الدنيا أعمارهم فيه وقد قالها مرارا يا دنيا غري غيري.
حتى أبناؤه تأثروا به وطلقوا الدنيا بالثلاث وغسلوا منها أيديهم وقلوبهم وصارت بالنسبة إليهم جيفة يأنف المجنون من الاقتراب منها فما بالك بالعاقل الذي يعرف كنهها ، فللّه درُّ العِترة الطاهرة التي شرفها الله بان كانت تاجا على رأس الأمة المسلمة وصارت مقياسا يقاس به الإيمان والكفر فلا يحب عليا إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق فهي خصاله الكريمة جعلت النبي صلى الله عليه وسلم يعتبره كهارون من موسى كيف وقد افتداه بنفسه في صغره وجاهد معه في شبابه وعاش على منهجه في كبره وبقي بين ذلك وذاك مدرسه فقهية وجهادية تتعلم منها الأمة بكل أعمارها فن الحياة والإيمان والوفاء والشجاعة.
0 التعليقات :
إرسال تعليق