كان في جميع الحضارات والأمم السابقة خرافات ومعتقدات خرافية عن الرياح وكان يسود الظن بأن هناك آلهة مختلفة للرياح والعواصف وجاء القران الكريم ليبين مباشرة بأن الرياح بيد الله سبحانه وتعالى وإنها مسخرة بإذنه وتسير بنظم ثابتة في هذا الكون ليؤازر بعضها بعضا والسؤال المطروح : ماهي الرياح ؟ أو ماهو الريح؟
والجواب :جاء على لسان من علمهم القران الكريم من بعيد أن الريح هي حركة أجسام لطيفة غير مرئية أما المصطلح العلمي للرياح فهو حركة جزئيات الهواء والغازات المكونة للغلاف الجوي ومن آيات الله تعالى أن جعل في هذه الجزئيات الخفيفة القوة الخارقة التي تقلع الأشجار وتهدم الديار والرياح اللطيفة التي تنقل الروائح الجميلة وعبير الأزهار وتنقل حبوب اللقاح وتسوق السحاب بإذن الله تعالى.
جاء ذكر كلمة رياح في القران الكريم عشر مرات وذكر لفظة ريح اربعةعشر مرة ولفظة ريحا أربع مرات ، حيث ذكر رياح مجموعة دائما مع الرحمة :مبشرات ،حاملات،مرسلات ،ناشرات ذاريات ،لواقح . وقد ورد في سورة يونس في قوله تعالى « وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ » «الاية22 » وفي سورة يوسف قوله تعالى « وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَن تُفَنِّدُونِ » «الاية94 »
فورود كلمة الرياح مع الجمع تعني أن الرياح بهذه الصفة المقرونة بها قد يحدث في نفس الوقت على أماكن أخرى من الكرة الأرضية مثل تصريف الرياح أو يرسل الرياح فهي كمرسلات هنا وهناك ناشرات في نصف الكرة الشمالي والجنوبي في نفس الوقت،أما ذكرها مفردة فإنها تأتي بمواصفات خاصة كتجسيد واحد يؤدي غرضا محدودا وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعوا إن هبت الريح « اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا »
علم الارصاد اليوم مع الرياح :
يدرس علماء الأرصاد الرياح منذ اكثرمن قرن واهتموا برصد حركتها ودورانها وتجمعها وتفرقها على سطح الأرض بواسطة البالونات وأجهزة الراديوسوند والرادارات والأقمار الصناعية فوجدوا أن هناك نظاما عاما للرياح وهذا مايسمى بالدورة العامة للرياح ترتبط بحركة الأرض حول الشمس وحركة الأرض حول نفسها يعني اختلاف الليل والنهار وهذا ما يعبر عنه في اللفظ القرآني<<وتصريف الرياح >> ويظهر كثيرا من عينات السحب حيث ترتبط هذه العينات بعناصر جوية منها : الضغط الجوي ،الرياح الحرارة،الرطوبة،وتحدث هذه العناصر على عدة مقاييس ومن الملائم أن نتعامل مع المقاييس المختلفة،
الدورة العامة للرياح حول الأرض:
إن الهواء المتحرك في اتجاه خط الاستواء يجب ان ينحرف في اتجاه الغرب ذلك في نصف الشمالي والعكس في نصف الكرة الجنوبي ويؤدي ذلك الى امداد الرياح بقوة حول الارض تتغير من مكان الى مكان مع خطوط العرض ودرجة الحرارة والنتيجة هي دورة عامة للرياح حول الارض واخيرا فان بعض الحرارة تخرج من سطح الارض عن طريق الانتقال المباشر لها بالتوصيل وقد تتغير كثيرا ظروف التوازن العالمي في الطاقة في مكان ما تبعا لتربة السطح وحالة الرطوبة وهذه التغيرات ذات المدى المتوسط او المحلي في خواص السطح يمكن ان يكون لها اثار كبيرة على توزيع الرياح حسب الطقس ففي الصيف تسخن اليابسة بسرعة اكبر من المحيطات وفي الشتاء تحتفظ المحيطات بالحرارة فتكون ادفأ من اليابسة وتظهر الفروق المستديمة بين اليابس والمحيط في شهر يناير وتنشؤ هذه الفروق في الضغط القوة المحركة الرئيسية للرياح على وجه الارض اذ ينساب الهواء من مناطق الضغط المرتفع الى مناطق الضغط المنخفض.
ويقول القرآن الكريم في هذا المعنى: ( وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا (3) فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا(4) ) (سورة المرسلات آيتان 3, 4) وتبين هاتان الآيتان أن الرياح ستنتشر أولاً, ثم تتفرق.
ومن الممكن أيضًا إذا كانت الرياح تحمل معها أي شيء مثل بخار الماء, أو التراب, فإن ذلك أيضًا سوف ينتشر ثم يتفرق (يتوزع) في نفس الوقت, وقد ذكر القرآن الكريم أن هناك توزيعًا تامًّا ومحكمًا للرياح,
وذلك في قوله تعالى: ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (164) )سورة البقرة الآية 164 فهنا تصريف الرياح معطوف على كل من الآيات الكونية الكبيرة التي تخضع لنظام ثابت.
الرياح والسحاب :يقول الله تعالى :<<وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته حتى اذا اقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت فانزلنا به الماء فاخرجنا به من كل الثمرات كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون>>.سورة الاعراف الاية 57 تبين ان للرياح مركبة افقية وهي تقوم بعملية سوق السحاب ومركبة راسية وهي المسؤلة عن عملية الرفع للسحب وحملها والمعنى في قوله الله تعالى :<<اقلت سحابا>>.من الاية السابقةوفي قوله الله تعالى:<<الله الذي يرسل الرياح فتثيرسحابا فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كسفا فترى الودق يخرج من خلاله فاذا اصاب به من يشاء من عباده اذا هم يستبشرون>>.سورة الروم الاية 48
وشكل حركة الرياح تبينه الآية التالية قال تعالى: ( وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا (1) ) (سورة المرسلات: آية رقم 1), والكلمة: (عرفاً ) المستعملة في الآية تعني: أن شكل الرياح تموجي(1), ويمكن أن يرى هذا الأثر الموجي على سطح البحر, وفي تموجات الرمال, أو في حركة موجية الراية, والمعنى أيضًا يعطي الشكل الدائري, والشبيه بالمنجل .
ويقول الله تعالى: ( وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا (1) فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا (2) ) المرسلات الآيتان 2،1),روي عن ابن عباس ومجاهد وقتادة وأبي صالح أن المرسلات والعاصفات والناشرات كلها تعني الرياح, وروى ابن مسعود أن المرسلات عرفا تعني أن الرياح تأتي متوالية كعرف الفرس في امتدادها وتتابعها أي أن الرياح تأتي على شكل تموجي, والعرف هو عرف الفرس أو عرف الديك أو عرف الضبع وإلى هنا وصل مفهوم المفسرين, وربط العرف بالرياح ولكن لو دققنا في لفظ العرف يمكن أن يأتي بمعنى (المكان العالي المتميز ) وفي سورة الأعراف في قوله تعالى: ( وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ ...) والأعراف جمع عُرف أي على الأماكن المرتفعة المميزة .
الرياح والسحاب:
يقول الله تعالى: ( وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (57) ) سورة الأعراف آية 57، تبين أن للرياح مركبة أفقية وهي تقوم بعملية سَوْق السحاب ومركبة رأسية وهي المسؤولة عن عملية الرفع للسحب وحملها والمعنى في قوله تعالى: (أقلت سحابااً) من الآية السابقة, وفي قوله تعالى: ( اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (48) ) (سورة الروم - آية 48). فالمركبة الرأسية للرياح هي المسؤولة عن إثارة السحاب وإظهارها حيث يبرد الهواء بالارتفاع وبذلك يتكاثف بخار الماء غير المرئي فتتكون قطرات الماء فتظهر السحب, أما المركبة الأفقية فهي المسؤولة عن البسط والانتشار, فسبحان الله.
ويمكن أن ترفع الرياح - عندما تهب - مواد مثل التراب وبخار الماء في الهواء, وهذا هو تأثير القوة الصاعدة, ثم تقوم الرياح بنقل هذه المواد, من خلال قوى أفقية. ويصف القرآن الكريم هذه الأحداث في قوله تعالى: ( وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا (1) فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا (2) ) (سورة الذاريات: 1-2) .
ختاما لا يسعني إلا أن أقول سبحان الله.
وفي كل شيء له آية….تدل على أنه واحد
مصدر المقال للدكتور. أحمد عبد الله مكي - جامعة الملك عبد العزيز
0 التعليقات :
إرسال تعليق