إعداد التلميذة : خديجة سرسوب
بقاء اللغة العربية حيّة الى يومنا هذا مدين دون شك للقرآن، فلولاه لبادت هذه اللغة كما بادت اللغات الاثرية القديمة. و القرآن الکریم نمط باهر معجز ببیانه و بلاغته،أعجز الجمیع علی أن یأتوا بمثله " قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا " .
كان العرب في شمال الجزيرة العربية حين بزوغ الاسلام يتكلمون بلهجات متعددة وإن كانت لغة قريش شائعة بينهم. وكان الجنوبيون يتكلمون بلغة حمير. والقرآن نزل بلهجة قريش فوحّد شمال الجزيرة على هذه اللغة ثم توغلت لغة القرآن الى الجنوب فأصبحت الجزيرة العربية كلها تتكلّم بهذه اللغة. فالقرآن له الفضل في توحيد اللغة العربية وانتشارها و بقائها. و ظلت اللهجة القریشیّة في إنتشارها تکتسح ما یقابلها من لغات ، فاتخذتها شعوب عدیدة لساناً لها ، وأصبح لسانها الأدبي من أواسط آسيا حتى المحیط الأطلسي یعبرون به عن مشاعرهم و عقولهم ،کلّ ذلک بفضل القرآن الکریم ، الّذي حفظ العربیّة من الضیاع ، وجعلها لغة حیّة خالدة منتشرة في بعض أقطار الأرض. کما أسهم القرآن إسهاماً فعّالاً في ظهور معانٍ لم تکن معروفةً من قبل مثل:الفرقان و الکفر و الإیمان و الإشراک و الإسلام والصوم والصلاة والزکاة و الرکوع والسجود . ولم یقف الأمر عند هذه المعاني فقط، بل کان للقرآن مضمونه الذي لم یکن یعرفه العرب کالدعوة إلی عبادة الله –والبعث والعقاب و الثواب- فشرع للناس ما ینبغي أن تکون علیه حیاتهم و ما یسودهم من علاقات.
ونستطیع القول بأنّ القرآن هذّب اللغة العربیّة من حواشي اللفظ وغریبه، وأضفی علیها لوناً من الطلاوة، مع وضوح القصد والوصول إلی الغرض ،فاللفظ علی قدر المعنی.
من هذا النبع الصافي أخذ الأدباء ینهلون ویسیرون علی هدیه في خطبهم وأشعارهم وکل آثارهم الأدبیّة ، فهو معجمهم الأدبي واللغوي.
و نستطیع القول بأنّ القرآن الكريم منطلق الحركة العلمية التي نشأت حول القرآن بمرور الزمن، والدافع المحرك وراء كل النهضة العلمية التي شهدها العالم الاسلامي منذ القرن الهجري الاول. لصيانة لغة القرآن إعرابا و قراءة نشأت علوم النحو والقراءات، و لفهم مضامينه ظهرت علوم التفسير و أسباب النزول و الناسخ و المنسوخ و المحكم و المتشابه، و لفهم إعجازه البياني وضعت علوم البلاغة، ولمعرفة أحكامه تفرّع عنه علم الفقه و أصوله.وینبغي التأکید علی أنّ العلوم الاسلامیة کلها إنما قامت لخدمة القران الکریم.
و تأكيد القرآن على العلم و تفضيل منزلة العلماء وفّر قِيماً جديدة في المجتمع المسلم تحثّ على المعرفة في حقولها المختلفة، فكان له الفضل في كل ما دوّنَ بلغة القرآن من علوم في الفلك والطب والكيمياء والرياضيات وغيرها من العلوم التي ترتبط بفهم تركيب الانسان و الطبيعة.
والقرآن الكريم أحدث ـ إضافة الى ماتقدّم ـ تحوّلا كبيراً في أسلوب اللغة العربية، و نستطيع أن نفهم هذا التحوّل من مقارنة أسلوب القرآن مع ما وصل إلینا من الادب الجاهلي. ولقد أدرک العرب الجاهليون هذا الاعجاز في الاسلوب القرآني، وعلموا أنه يختلف تماماً عمّا سمعوه من فصحائهم. فقد روي أن الوليد بن المغيرة سمع شيئا من القرآن الكريم، فكأنما رقّ له قلبه. فقالت قريش: صبأ والله الوليد، ولَـتَصبونّ قريش كلهم. فأوفدوا إليه أبا جهل يثير كبرياءه واعتزازه بنَسـَبه وماله، ويطلب أن يقول ما فيه ذمّ القرآن. قال: فماذا أقول فيه؟ فواللّه ما منكم رجل أعلم مني بالشعر ولا برجزه ولا بقصيده ولا بأشعار الجن. واللّه ما يشبه الذي يقوله شيئا من هذا . واللّه إن لقوله لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإنه ليحطم ما تحته، وانه ليعلو و ما يُعلى.
قال أبو جهل: واللّه لا يرضى قومک حتى تقول فيه قال: فدعني أفكر فيه . فلما فكر قال: إن هذا إلا سحر يؤثر. أما رأيتموه يفرق بين الرجل وأهله ومواليه؟!و في ذلك يقول القرآن الكريم في سورة المدثر:« إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ*فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ*ثُمَّ نَظَرَ * ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ*ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ* فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ * ». و لقد تحدى القرآن العرب مرّات:« أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ»،« قل فأتوا بسورةٍ مِثلِه». و لكنهم عجزوا، بل لم يحاولوا هذه المحاولة أصلاً،
ويلاحظ في رواية الوليد بن المغيرة أن الرجل كان عالما بفنون البيان لدى قومه، ولذلك كان سريع التأثر بلغة القرآن، وعميق الفهم لسحر الكتاب القرآني.
و لکن علینا أن نفهم أن هذا القرآن الکریم ترک في نفوس کل من إستمع له تأثيراً عميقاً ،نجد آثاره بوضوح في اللغة العربية و الادب العربي.
0 التعليقات :
إرسال تعليق